معاناة الجنوب غير خافية فلماذا تنكرون عليهم التذمر؟ اعتذروا لفزّان المعذّبة ... بقلم / محمد الامين

معاناة الجنوب غير خافية فلماذا تنكرون عليهم التذمر؟ اعتذروا لفزّان المعذّبة ... بقلم / محمد الامين
لا نتحمل ولا نقبل أن يتعرض أيّ مكون اجتماعي أو جهوي أو محلي للحرمان أو التمييز في حال أكان بالغرب أو الشرق أو الجنوب.. فهذه عقيدة وطنية ثابتة لا تحتمل الاصطفافات ولا المناورة السياسية.
ولأن كافة مناطق الوطن تعاني في هذه الآونة معاناة متنوعة ومأساوية مركبّة معظمها من صنع الليبيين أنفسهم، ولأن البعض منا لا يجدون حرجا -ويا للأسف- من ممارسة ازدواجية المعايير، ويتلاعبون بالمواقف بلا وازع ولا رادع، ويتعاملون مع الشأن الإنساني والسياسي على قاعدة:"اشبح للوجوه وفرّق اللحم"!! التمييزية.. فقد وجب في تقديري المتواضع أن يعتذر الجميع إلى فزّان ويتفهّموا شكواها بنفس القدر الذي تفهّموا به شكوى برقه في يوم من الأيام.. ويتعاطفوا مع فزّان بنفس القدر الذي يتعاطفون به مع طرابلس وأهلها ماضيا وحاضرا..
لا يوجد مبّرر واحد على أن يتعامل البعض مع أهل الجنوب وكأنهم مواطنين من درجة ثانية.. فقد عانوا التنكيل بمختلف أشكاله.. وضع صحي متردٍّ في مرحلة عسيرة، ووضع أمني ملتهب، وفقر وتجويع وتجاهل عبر كافة مراحل الأزمة.. أهالي فزان يعيشون على مساعدات ومعونات وتبرعات معظمها من خارج البلد.. ولا يظفرون من الخدمات إلا بنزر قليل.. كهرباء دائمة الانقطاع.. ومياه تنبع من أراضيهم وتذهب إلى من يمنع عنهم السيولة والوقود..
لقد صبر أهل الجنوب كما لم يصبر أحدٌ من قبل.. لكن العجيب أن المسيطرين على المشهد في الغرب والشرق يختلفون في كل شيء إلا في استصغار فزان، والاستهانة بمعانتها وتجاهل مطالبها، بل وكذلك بإنكار حقّها حتى في التعبير عن المعاناة، وشيطنة حقها في اللوم، والعتاب، والشكوى!!
لا أفهم على سبيل المثال سبباً لمهاجمة تصريحات الشيخ علي مصباح أبو سبيحة وتعبيره عن معاناة أهل فزان؟؟!! ولا ضمن أي سياق تأتي هذه الردود؟؟ هل تستهدف مزيد معاقبة الجنوب الذي حوله المتحاربون إلى ساحة خلفية وميدان احتراب يستعرضون فيه قواتهم كل مرة وينصرفون عنه تاركين الدماء والكراهية والذعر في نفوس أبنائه؟ المتصارعون على السلطة اليوم يتباكون على فزان في علانيتهم، لكن يشمتون بها في مجالسهم الخاصة ومع بطاناتهم ويحسبونها على الخصوم، ويعتبرونها في صفّ الأعداء.. الشيخ أبو بوسبيحة شخصية اجتماعية رمزية ولديه مكانته في قبيلته وفي منطقته، وكثيرا ما توجه إلى طرابلس بأشدّ الخطابات وطالب بحقّ منطقته ونقل معاناتها.. ولكنه لم يتعرض للهجوم ولا للشيطنة مثلما يحدث اليوم بعدما وجه شكوى فزان إلى المعسكر الخصم؟؟!! انطلقت الميليشيات الفيسبوكية في سلخ الرجل ومن روائه فزان بالطبع، بلا رحمة ولا شفقة، وكأنه قد شتم أو لعن.. وهذا لم يحدث بالطبع.. فما الذي يريدونه بالضبط؟ هل يصمت أهل الجنوب وهم في عزّ أحوال العوز والرعب من زحف الوباء وندرة الإمكانيات؟
المشكلة الحقيقية هي أن فزان في روع وعقائد ومقاربات هؤلاء المتحاربين في الشرق والغرب أقلّ بكثير من أن تكون طرفا ثالثا وندّياّ على الطاولة.. وتستحق بالكاد أن تكون تابعاً غير فعال، فضلا على أن تكون مكوّنا وطنيا صاحب حقوق.. وهذا أمر مشين ومعيب في حقّ التاريخ والجغرافيا وقيمة الوطنية المتكافئة والعادلة..
ليس لدينا أملٌ كبير في أن يتغير هؤلاء في علاقة بفزان.. بل الأمل في أن يغيروا نظرتهم إلى المواطن الليبي بشكل عام.. فالنفط نفط الليبيين جميعا.. والمياه لليبيين جميعا.. والأرض والموارد والسيادة الأصيلة للشعب الليبي بمختلف مكوناته، وليست من حق العنصريين والمتغطرسين والفاسدين والمتاجرين بقضية الوطن الممزق.. فزان تستحق أن تكون صاحبة موقف ورؤية وقرار.. وهذا حقّ طبيعي كحقّها في المواطنة وليست مطالبة بتملّق أيّ كان أو بعرض الولاء لأي كان.. فزان تستحق اعتذار الجميع، لأن الجميع بحاجة إليها، والجميع قد اشتركوا في أذيتها وإهانة أبنائها.. وهي الرقم الصعب الحقيقي وبيضة القبّان لو كنتم تعلمون.. فاعتذروا لها بالعمل قبل القول وقبل فوات الأوان..
وللحديث بقية.