روسيا والصين على خط الأزمة الليبية: هل نستطيع حلّ معضلة الوسيط النزيه؟ ... بقلم / محمد الامين

روسيا والصين على خط الأزمة الليبية: هل نستطيع حلّ معضلة الوسيط النزيه؟ ... بقلم / محمد الامين
احتكار الملفّ الليبي وارتهانه غربيّا في ظل غياب بدائل إقليمية جدّية ومؤثرة، والسياسة غير المتوازنة من دول الجوار الأوروبي في علاقة بالتعاطي مع مهام البعثة الأممية في ليبيا، يجعل المتابعين يتطلعون بأمل إلى المساعي الروسية الصينية الجارية والتي يمكن أن تكون بيضة القبّان في حلّ النزاع الدامي ببلدنا.. إن حالة الزّهو الروسي بالمكاسب السياسية والإستراتيجية التي ظفر بها بسبب الأزمة السورية.. وخروج الطرف الصيني من انكماشه نتيجة لشعوره بتهديد مصالحه وبالتزاحم الأمريكي الأوروبي الشرس في أكثر من منطقة بأفريقيا وخصوصا بإقليم الساحل والصحراء الذي تعتبر ليبيا بوابته الرئيسية، قد يدفعه هذه الأيام إلى الإمساك بزمام المبادرة "مستقويا" بشريك روسي فرض نفسه بمنطق القوة وبمنطق السلام لاعبا رئيسيا في معادلة الأمن المتوسطية بُغية تحقيق التوازن الاستراتيجي في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة.
لدينا إذن طرف صيني منتشٍ بمبادرة/مشروع طريق الحرير يدرك أن ليبيا عمقٌ وظهرٌ لأحد البلدان الرئيسية في مشروعه –إيطاليا-، ويعلم حقّ العلم أن التحديات ذات العلاقة بالطاقة والموارد رهانٌ أساسي يحتاج "تضحيات" و"أثمان" سياسية وفِعْل حقيقي في حلحلة وتسوية ملفّات المنطقة.. ذلك أن المحكّ الرئيسي لبناء نفوذ القوى الدولية هو قدرتها على الإسهام في صناعة التوازنات والمحافظة على علاقات متنوّعة واجتراح حلول مستدامة تراعي مصالحها هي ولا تهضم حقوق شعوب البلدان الأخرى..
إن الدافع لهذا القول هو ما نلاحظه جميعا من كثرة "العرابين، والرعاة، والطامعين" خصوصا منهم الغربيين.. وما نعيه وندركه من أن انسداد الأوضاع بليبيا إنما يرجع في جانب كبير منه إلى تناقضات مصالح هؤلاء وشدة تعقيد علاقاتهم بشكل جعلهم لا يتورّعون عن حسم معاركهم على حسابنا وبدمائنا ومواردنا.. أقول هذا من منطلق إيمان قطعيّ بأن ما بين الليبيين ما كان ليبلغ ما بلغ، وما كان ليسبّب ما نرى من دماء واحتراب لو خلتْ الساحة الداخلية من المحرّضين ومن الانتهازيين والمتواطئين.. صحيح أن دور الليبيين محوري ورئيسي في ما يجري بينهم، لكن أن يتطور إلى حرب مدمرة لا حدود ولا خطوط حمراء لها، فهذا ممّا يستحق الدراسة والفهم والتدقيق في آنٍ..
لذلك، ربّما أتى الحلّ هذه المرّة من شرق العالم وليس من غربه.. فقد اعتدنا أن لا يأتينا الغرب إلا بما يضرّ ولا يدمّر.. ولك أن تتذكر دور الغرب في ليبيا عبر التاريخ..فهذا الغرب الغادر الدموي قد حافظ على عدائه وعلى دوره التخريبي حتى عندما كانت علاقاته مع ليبيا في أفضل فتراتها.. ولستُ أقصد هنا غير بلدان بعينها.. فرنسا التي قادت العدوان عام 2011، وما تزال تشارك في سفك دماء الليبيين إلى غاية اليوم،، وإيطاليا التي شاركت في ذلك العدوان، وأدوارها غير خافية في احتراب الليبيين منذ اعوام،،، وأمريكا وبريطانيا اللّتان لم تخلُ حقبة من التاريخ الحديث دون أن تسجل عملا عدوانيا لهما ضد الليبيين،،، وما يزال الامر مستمرا إلى حدّ اليوم..
ربما أتى السلام اليوم من شركاء من شرق العالم لم يظفروا بشيء من علاقاتهم بليبيا، ولم يشاركوا في سفك الدماء الليبية.. يمكن لهؤلاء أن يكونوا وسطاء مقبولين على الأقل بفضل نقاء صفحة سوابقهم مع بلدنا وشعبنا، ويمكن أن يصنعوا التوازن المفقود ويُسهموا في تهيئة بيئة للسلام المنشود..ولذلك يتحتم على الأطراف الوطنية المحايدة والتي لم تتلطخ أيديها بدماء الليبيين من الجانبين أن تتواصل مع الروس والصينيين عبر قنوات "نظيفة" من أجل مبادرات حقيقية على قاعدة التضحية من أجل الوطن، وحقن الدماء، وإعادة النازحين والمهجرين إلى احيائهم وبيوتهم.. والله من وراء القصد..