
بجلبابه الأبيض والعمامة التي تزين رأسه، يقف شامخًا متطلعًا لشعبه الذي جاء يودعه الوداع الأخير، يقف المناضل الليبي "عمر المختار" على منصة الإعدام يخلع نظارته الطبية، ويستسلم لشانقه دون مقاومة أو خنوع، هكذا جسد المشهد "أنتوني كوين" في أحد أهم أدواره "أسد الصحراء"، الذي يتناول قصة كفاح البطل الليبي الذي واجه جيش موسليني قبيل الحرب العالمية الثانية.
نشأته القويمة جعلت الكثير يشيد به وبعلمه النابغ الذي بدأت ملامحه في الظهور عليه منذ الصغر، فاختاره شيخه "السنوسي" ليكون عونًا له ويرافقه في دربه، فسافر معه إلى السودان، وهنا تحولت حياة العالم الزاهد إلى مقاتل ومجاهد يعرف لغة السيف ويقهر العدو، وشارك في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية، وبدأت رحلته مع الجهاد وقهر المغيرين على الأرض.
عرف المختار بنزول القوات الإيطالية مدينة "بنغازي"، فأعد معسكرًا خارج البلاد يجمع فيه خيرة الشباب المناضلين في قلب الصحراء ليغير على عدوه وينقذ بلاده من تلك القبضة التي شنها جيش موسليني ضد الدولة العثمانية، وطوال مدة تلك الحرب الضارية ظل ذلك المخبأ جهة "المختار" التي يطلق منها هجماته العنيفة.
بعد عام من الحرب أجبرت الدولة العثمانية على تسليم هامتها لإيطاليا، وعقد صلح يشوبه الدماء مع العدو الذي ظل يقتل أبناء العروبة، ولكن ذلك الصلح كان بمثابة الفتيل الذي أشعل لهيب المقاتلين، ونقضوا شروط ذلك الصلح رغم أنف بلاط الدولة العثمانية، وقاتلوا جيش إيطاليا، فوقفت الدولة العثمانية في وجه أبنائها فوقعت حرب بينها وبين المقاتلين.
تأزم الوضع، فأرسل "المختار" ليهدئ من روع المجاهدين الذين أطلقوا أسلحتهم ضد الدولة العثمانية، بالفعل استطاع بحكمته وكلمته المسموعة أن يقنع هؤلاء المجاهدين لتهدئة الوضع ووقف وابل النيران، وظل معهم خوفًا من أن تشعل الفتنة نفوسهم ويدخلوا في معارك مع الدولة العثمانية مرة أخرى، وينسيهم ذلك الصراع عدوهم الأساسي.
"حياتي ستكون أطول من حياة شانقي".. هكذا قال "المختار"، وتحققت مقولته تلك بعد رحيله بأكثر من 86 عامًا، فلا يزال العالم يذكر دوره في الوقوف أمام عدوه والتفاف شعبه حوله الذي لا يزال يذكر ويردد اسمه في يوم الشهيد، رافعين رايات النصر التى ورثهم إياها، مرددين عبارته ويطوفون البقاع بصورته.